سميرة بوجلطي
من يتأمل مسار العلاقات الجزائرية–التونسية يدرك أنها ليست مجرد صفحة في سجل الجوار الجغرافي، بل قصة صمودٍ وتكاملٍ سياسيٍ واقتصاديٍ وإنساني، تمتد جذورها إلى عمق التاريخ المشترك والنضال من أجل السيادة والاستقلال.
اليوم، وفي عالمٍ تتقاذفه الأزمات والتحالفات المتقلبة، تثبت الجزائر وتونس أنه ما زال بالإمكان بناء علاقة قائمة على الثقة والاحترام المتبادل، لا على المصالح الظرفية. فالجزائر، في كل المنعطفات التي مرّت بها تونس، كانت السند الأقرب والأكثر وفاءً، سواء بدعمها الاقتصادي في فترات الضيق، أو بمواقفها السياسية الثابتة الرافضة لأي تدخل خارجي في الشأن التونسي.
لقد اختارت الجزائر أن تقف إلى جانب تونس بهدوء القوي لا بصخب المزايدات، فمدّت يدها في أصعب اللحظات، ووفّرت الغاز والطاقة بأسعار تفضيلية، وساهمت في دعم احتياطات تونس من العملة، وفتحت
تُجمع الأوساط السياسية والاقتصادية في الجزائر وتونس على أن العلاقات بين البلدين بلغت مستوىً من القوة والانسجام يجعلها نموذجاً في المنطقة المغاربية، سواء على صعيد التنسيق الأمني أو التكامل الاقتصادي أو المواقف السياسية المشتركة.
فمنذ الاستقلال، ظلت الجزائر وتونس تحافظان على نهجٍ ثابتٍ في التعامل يقوم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وهو ما ساهم في تعزيز الثقة المتبادلة وتوطيد التعاون في مختلف المجالات.
على الصعيد الاقتصادي، قدمت الجزائر دعماً متواصلاً لتونس، خاصة في الفترات الصعبة التي عرفتها الأخيرة، من خلال تزويدها بالغاز بأسعار تفضيلية، وتأجيل سداد المستحقات، ودعم المبادلات التجارية والسياحية عبر المعابر الحدودية.
أما سياسياً، فقد أكدت الجزائر مراراً دعمها لتونس في مسارها السيادي، ورفضت أي تدخل خارجي في شؤونها، معتبرة أن “استقرار تونس من استقرار الجزائر”.
وفي المقابل، تعتز تونس بوقوف الجزائر إلى جانبها في كل المراحل الحساسة، وتعتبرها شريكاً استراتيجياً ودرعاً سياسياً واقتصادياً في مواجهة التحديات الإقليمية.
وفي الملفات الإقليمية، تتقاطع رؤى البلدين حول العديد من القضايا، خصوصاً الأزمة الليبية، حيث يدعمان حلاً سياسياً داخلياً يضمن وحدة ليبيا واستقرارها، كما يتشاركان الرؤية ذاتها بخصوص ضرورة تنشيط الفضاء المغاربي وإحياء الاتحاد المغاربي بروح التعاون والتكامل.
العلاقات بين الجزائر وتونس لا تقتصر على الجانب الرسمي، بل تمتد إلى العلاقات الشعبية والاجتماعية، إذ تشهد الحدود بين البلدين تبادلاً إنسانياً واقتصادياً كثيفاً، وتدفقاً متواصلاً للسياح الجزائريين إلى تونس، ما يعكس عمق الارتباط بين الشعبين.
ويرى مراقبون أن مستقبل العلاقات الجزائرية التونسية يتجه نحو تعزيز الشراكة التنموية، خصوصاً في مجالات الطاقة، النقل، والأمن الغذائي، بما يخدم مصالح الشعبين ويكرّس مكانتهما كركيزتين للاستقرار الإقليمي في شمال إفريقيا.
في هذا السياق، لعبت تونس دورًا حاسمًا كداعم رئيسي للثورة،
والعلاقة بين البلدين ليست وليدة اللحظة، فتمتد إلى الثورة التحريرية وحينها امتزجت دماء الشعبين في ساقية سيدي يوسف
