من قصر الأمم… خطاب الرئيس تبون يُشعل القاعة ويُسكت المشكّكين

المنظار نيوز

سميرة بوجلطي

من تحت قبة قصر الأمم، وأمام غرفتي البرلمان، جاء خطاب رئيس الجمهورية واضحًا، صريحًا، وحارقًا لكل أوهام المشكّكين، خطاب دولة تعرف ما تريد وتسير بثبات رغم الضجيج والبلبلة. لم يكن حديث أرقام معزولة، بل رؤية متكاملة لجزائر استعادت زمام المبادرة، سياسيًا واقتصاديًا واستراتيجيًا.

الرئيس نوّه بالحركية غير المسبوقة التي يعرفها البرلمان، حركية أعادت الاعتبار الحقيقي للسلطة التشريعية، ومكّنته من ممارسة صلاحياته كاملة، وعلى رأسها مبادرة اقتراح القوانين، من قانون الجنسية إلى قانون تجريم الاستعمار، في رسالة سيادية لا لبس فيها. وبالوضوح ذاته، جدّد التأكيد أن باب الحوار سيظل مفتوحًا لكل الأحزاب السياسية دون إقصاء، لأن الإصلاح الحقيقي لا يُبنى إلا بالنقاش والمسؤولية.

وفي الشق الاقتصادي، شدّد رئيس الجمهورية على أن مسار التنمية المستدامة ماضٍ بلا تراجع، وأن الإصلاحات ليست قرارات ظرفية بل عملية مستمرة لترسيخ الحوكمة من أجل الشعب وبالشعب. العدالة، كما أكد، ستكون بالمرصاد لكل مظاهر الفساد والاختلال، وفي المقابل درعًا واقيًا للإطارات النزيهة التي تعمل في صمت.

الجزائر، حسب الخطاب، لم تعد تلك البلاد التي يُروَّج عنها أنها معزولة. الأرقام تتكلم: 309 مشاريع استثمارية يشارك فيها أجانب، في رد عملي على كل من ادّعى العكس. التضخم تراجع، والاقتصاد في وضع سليم، وهذه النتائج ليست إنجاز شخص واحد، بل ثمرة جهد جماعي لإطارات وعمال أخلصوا للوطن. ومن لا يعترف بهذه الحقائق، وصفه الرئيس بوضوح: جاحد وحسود.

وفي البنى التحتية، كان ملف السكك الحديدية شاهدًا حيًا على أن الجزائري إذا قرر صنع المعجزة فعل، لا بالشعارات بل بالإنجازات الميدانية. أما الصناعة الوطنية، فقد عادت لتفرض نفسها بعد سنوات من “هلوسة الاستيراد” التي كادت تُفرغ البلاد من روح الإنتاج. نسبة الصناعة في الناتج الداخلي الخام ارتفعت إلى حدود 10% بعد أن أُنزلت عمدًا إلى 3%، فيما بلغ الاكتفاء في المواد الصيدلانية أكثر من 80%.

الشباب بدورهم كانوا في صلب الخطاب. 13 ألف مؤسسة ناشئة، بعضها صار له صيت دولي، ورئيس الجمهورية يحيّي شبابًا آمنوا بقدراتهم وقدرات بلدهم وشرفوه في الخارج. ومن المشاريع الاستراتيجية الكبرى، منجم غارا جبيلات الذي صار واقعًا ملموسًا، ثالث أكبر منجم حديد في العالم، وتجسيد لما كان يُعتبر يومًا مستحيلاً. وكذلك الفوسفات في بلاد الهضبة، حيث أكد الرئيس أنه سينتج، سينقل بأمان، وستُضاعف القدرات الإنتاجية خمس مرات.

في الفلاحة، أرقام ودلالات: 15 ألف مؤسسة فلاحية أنشأها الفلاحون بأنفسهم، بعيدًا عن الوصاية البيروقراطية، وأصبحوا عنصرًا مؤثرًا في الاقتصاد الوطني، مع دخول التكنولوجيا بقوة إلى هذا القطاع الحيوي. وبنفس الجرأة، اعترف الرئيس بفشل الدولة في تحقيق الاكتفاء في إنتاج اللحوم، ووجّه نداءً مباشرًا لأهل القطاع: أموال استيراد اللحوم أبناء الجزائر أولى بها.

اجتماعيًا، أكّد الخطاب أن ارتفاع الأمل في الحياة بالجزائر نتيجة مباشرة للقضاء على أمراض كثيرة، وأن التلقيح الذي يبدو عاديًا عند الجزائريين هو في الحقيقة استثناء في دول عديدة. كما شدّد على أن دعم المواطن البسيط خط أحمر، وأن التاريخ لن يسجل على هذه الدولة أنها تخلّت عن شعبها. القدرة الشرائية، وإن كانت في حدها الأدنى، فهي محمية بالدعم المباشر للمواد الأساسية، الماء، الكهرباء، السكن، ومجانية التعليم، مع مواجهة يومية للطفيليين الذين يستهدفون امتيازات الدولة.

في السكن، الأرقام ثقيلة: مليون و700 ألف سكن منذ بداية العهدة الأولى، وكشف الرئيس عن خفايا من العهد البائد، حين فُرض إلغاء استفادات غير شرعية من أراضي سيدي عبد الله لتعود للشعب عبر مشاريع السكن. كما أمر بالشروع الفوري في إنجاز محطتي مياه بتندوف وتمنغست.
أما في السياسة الخارجية، فالمواقف ثابتة لا تتغير: الجزائر مع فلسطين دون قيد أو شرط. لا خير يأتي من الجوار إلا قوبل بخير، ولا شر يُسمح له بالاقتراب. الحل في ليبيا لن يكون إلا ليبيًا-ليبيًا. وبخصوص تونس، كان الخطاب حاسمًا: لا تدخل في شؤونها الداخلية، أمن الجزائر من أمن تونس، وأمن تونس من أمن الجزائر. كل محاولات زرع الفتنة بين الشعبين ستفشل، والرئيس قيس سعيّد ليس مطبّعًا ولا مهرولًا، ومن يمسّ تونس فقد مسّ الجزائر.

إنه خطاب دولة تعرف أين تقف، وإلى أين تتجه، وتواجه خصومها بالوقائع لا بالضجيج، وبالعمل لا بالتهويل. خطاب يُحرق الأوهام… ويُثبت أن الجزائر قررت أن تمضي إلى الأمام مهما كثر الصراخ.

شارك
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

آخر الأخبار