سميرة بوجلطي
في مثل هذا اليوم من كل عام، تعود ذاكرة الجزائريين والعالم إلى فجر أول نوفمبر 1954، اليوم الذي دوّى فيه صوت الرصاص معلنًا ميلاد الثورة الجزائرية المجيدة، التي سرعان ما تجاوز صداها حدود الوطن لتصبح منارةً لحركات التحرر في العالم، ومصدر إلهام لكل الشعوب التواقة إلى الحرية والكرامة.
من مقاومة الاستعمار إلى مدرسة في التحرر
لم تكن ثورة أول نوفمبر مجرّد انتفاضة مسلّحة ضد الاستعمار الفرنسي، بل كانت مشروعًا حضاريًا وإنسانيًا متكاملًا، أعاد للإنسان الجزائري وعيه وهويته وكرامته. ومنذ نجاحها في كسر أعتى قوة استعمارية في القرن العشرين، تحوّلت الثورة الجزائرية إلى نموذج يُحتذى به في العالم الثالث، خاصة في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية.
لقد تبنّت الجزائر المستقلة مبدأ دعم حركات التحرر، انسجامًا مع مبادئ ثورتها، فاحتضنت قادة ونشطاء من مختلف البلدان التي كانت ترزح تحت نير الاستعمار، من جنوب إفريقيا إلى أنغولا وموزمبيق، ومن فيتنام إلى فلسطين.
الصحراء الغربية… استمرار لروح المقاومة
من أبرز القضايا التي جسّدت امتداد روح نوفمبر، قضية الشعب الصحراوي، الذي يخوض منذ عقود معركة تقرير المصير ضد الاحتلال المغربي.
وقفت الجزائر دومًا إلى جانب الشعب الصحراوي، متمسّكة بحقّه في الحرية والاستقلال، ومعتبرة أن تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية هي استكمال لمسيرة نوفمبر في الدفاع عن المبادئ التحررية ورفض كل أشكال الهيمنة.
فلسطين… القضية المركزية التي لم تغب
وفي قلب المواقف الجزائرية الثابتة، تظل فلسطين القضية الأقدس والأقرب إلى وجدان الجزائريين.
منذ الاستقلال، ظلّ شعار “الحرية للشعوب” أحد أعمدة السياسة الخارجية للجزائر، التي لم تتردد في إعلان دعمها غير المشروط لنضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني، مستلهمة من ثورتها أن لا حرية تُمنح بل تُنتزع بالتضحيات والصمود.
ولعلّ كلمات الرئيس الراحل هواري بومدين في الأمم المتحدة لا تزال تعبّر عن عمق هذا الالتزام حين قال: “نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة.”
نوفمبر… ذاكرة وطنية ورسالة إنسانية
سبعون عامًا بعد اندلاعها، ما تزال ثورة أول نوفمبر أكثر من مجرد ذكرى، بل هي رسالة حيّة تتوارثها الأجيال، تؤكد أن الحرية لا تُقاس بالزمن، وأن صوت الشعوب المقهورة لا يُخمد مهما طال الليل.
من الجزائر إلى العيون وغزة، تبقى روح نوفمبر نبراسًا يهدي المظلومين نحو فجر التحرر والانعتاق.
