سميرة بوجلطي
من العاصمة الجزائرية إلى تونس، رحلة قصيرة في الطائرة، لكنها كفيلة بفتح أبواب عالم آخر، عالمٌ يجمع بين دفء الضيافة، وتنوّع التجارب، وعمق التاريخ الذي يميّز هذا البلد المتوسطي. منذ لحظة الإقلاع من مطار هواري بومدين، كان الشعور بأن الزيارة لن تكون عادية حاضراً، فكل من عاد من تونس يروي عنها شيئاً مختلفاً… ومع الوصول، يتأكد الزائر أنه أمام بلد يتقن فنّ استضافة ضيوفه.
المدينة العتيقة… بوابة الماضي المفتوحة على الحاضر
أول محطة في الرحلة كانت المدينة العتيقة بتونس العاصمة، ذلك الفضاء الذي لا يزال يعيش على إيقاع تاريخه الخاص. أزقتها المتشابكة، محلات العطور التقليدية، الصناعات الجلدية، النحاسيات، والأقمشة الملونة، كلها ترسم صورة مدينة تحفظ روحها رغم كل التغيرات المحيطة بها.
وفي قلب هذا العالم الحي، ينتصب جامع الزيتونة، واحد من أعرق المعالم الإسلامية في المنطقة. بمجرد دخول ساحته، يشعر الزائر بنوع من السكينة التي لا توفرها إلا الأماكن الممتلئة بالتاريخ. المكان لا يُزرع فحسب، بل يُعاش: طلبة يدرسون، مصوّرون يبحثون عن لقطاتهم المثالية، وأسرة تونسية تأتي لالتقاط صور تذكارية في فضاء يُلخّص جزءاً مهماً من هوية البلاد.
سيدي بوسعيد… الأزرق الذي يعلّمك معنى الجمال
ومن قلب العاصمة إلى أحد أشهر رموز تونس: سيدي بوسعيد. قبّة بيضاء، أبواب زرقاء، مقاهٍ تطل على البحر، وفنانون يرسمون لوحاتهم في الأزقة. بمجرد الصعود إلى التلة، يشعر الزائر بأنه دخل لوحة فنية حقيقية.
من “المقهى العالي”، يطل الزائر على مشهد بانورامي يأسر الأنفاس: بحر يمتد بلا نهاية، ورائحة زهر البرتقال، وصوت آلة العود الذي ينساب من الشرفات. في هذا المكان، يدرك المسافر لماذا تعدّ سيدي بوسعيد الوجهة الأولى لمعظم السياح القادمين إلى تونس، ولماذا تظل المدينة مصدر إلهام منذ عشرات السنين.
ميناء القنطاوي… ترفيه بمفهوم متكامل
الرحلة تواصلت نحو الساحل، وتحديداً إلى ولاية سوسة حيث يقع ميناء القنطاوي، المدينة السياحية المتكاملة التي يقصدها الزوار من مختلف أنحاء العالم. القنطاوي ليست مجرد مرسى يخوت فخم، بل فضاء ترفيهي كامل: مطاعم عائلية، مقاهي مطلّة على المياه، محلات أنيقة، عربات خيل، نشاطات بحرية، ومساحات خضراء ممتدة.
يجذب المكان العائلات بشكل خاص، بفضل هدوئه وأمانه، إضافة إلى توفر كل ما يحتاجه الزائر في مساحة واحدة. الكثير من الجزائريين يعتبرون القنطاوي وجهتهم المفضلة، لأنها ببساطة تمنحهم كل شيء في مكان واحد: الراحة، النظافة، الرفاهية، والأجواء المتوسطية الراقية.
المنستير… مدينة تجمع البحر بتاريخ الدولة الوطنية
على بعد حوالي ساعة من سوسة، تظهر المنستير، المدينة التي تجمع بين صفاء البحر ورصانة التاريخ. شوارع هادئة، شواطئ عائلية، متاجر محلية بسيطة، لكن روح المدينة تكمن في مكان واحد: ضريح الحبيب بورقيبة، الزعيم الذي قاد تونس نحو الاستقلال.
الضريح تحفة معمارية، تجمع بين العمارة العربية الإسلامية واللمسة التونسية الخالصة. القبة الذهبية تلمع تحت الشمس، والزوار يتجولون في الممرات الهادئة وهم يكتشفون صوراً ووثائق تحكي فترة فارقة من تاريخ تونس الحديث. المكان ليس مجرد مزار، بل درس بصري وتاريخي في مفهوم الدولة الوطنية.
قرطاج لاند… مساحة مفتوحة للضحك والمرح
وبين محطات التاريخ والبحر، تبقى تونس وجهة عائلية بامتياز. في قرطاج لاند، يجد الأطفال والكبار مكانهم المفضل. ألعاب مائية، مسابح، فعاليات ترفيهية، أنشطة متنوعة… فضاء ترفيهي واسع يمنح للرحلة نكهة خاصة، ويحوّل اليوم إلى برنامج كامل من الفرح.
الكثير من العائلات الجزائرية تعتبر قرطاج لاند محطة أساسية في برنامجها السياحي، لأنه يمنحها تجربة لا تتكرر في المنطقة: أمان، تنوع، تنظيم، وخدمة موجهة خصيصاً للزوار المغاربيين.
لماذا تونس تبقى دائماً في المراتب الأولى؟
على الرغم من تعدد الخيارات السياحية في المنطقة، تبقى تونس في مقدمة الوجهات الأقرب إلى قلب الجزائريين. الأسباب كثيرة، ومتداخلة، وتظهر بوضوح خلال كل خطوة في الرحلة:
. قرب المسافة وسهولة الوصول
ساعة واحدة فقط من الجزائر نحو تونس، وفارق كبير في التجربة السياحية.
. أسعار مناسبة مقارنة بوجهات المتوسط
الفنادق، المطاعم، النقل، الأنشطة… كلها متوفرة بأسعار أقل بكثير من وجهات مماثلة.
. تنوّع استثنائي
تاريخ، بحر، أسواق، ترفيه، معالم دينية… تونس تعرض كل شيء دون استثناء.
. أمان وتنظيم يطمئنان العائلات
المدن السياحية مجهّزة، الشواطئ منظمة، وحركة النقل سلسة.
. شعب مضياف يشبه الزائر في اللسان والعادات
لا يحتاج الجزائري وقتاً ليتأقلم… يشعر فوراً أنه في بلد قريب منه، ليس جغرافياً فقط، بل في الروح أيضاً.
تونس… وجهة لا تكتفي بأن تُزار، بل تدعوك للعودة
في نهاية الرحلة، وبينما تبدأ الاستعدادات للعودة إلى الجزائر، يشعر الزائر بأن تونس ليست بلداً يُزار مرة واحدة. هناك دائماً محطات لم يرها، تجارب لم يعشها، مطاعم لم يجربها، وشواطئ لم تطأها قدماه بعد.
تونس بلد يعرف كيف يقدّم نفسه، ويفهم جيداً ما يبحث عنه السائح، ويجعل كل زيارة أفضل من سابقتها. بين المدينة العتيقة وسيدي بوسعيد، بين القنطاوي والمنستير، وبين المعالم الدينية والمرافق الترفيهية… تظل تونس وجهة تصنع الفرق، وتحمل وعداً دائماً بأن القادم فيها أجمل.
